جان فرانسو شامبليون Jean François Champollion



Jean François Champollion ولد جان فرانسو شامبليون (1790 - 1832) فى مدينة فيجاك
بمقاطعة لوت فى 23 ديسمبر عام 1790 , و قد كان والد شمبليون قد إستقر فى مدينة فيجاك , حيث كان يبيع الكتب فى مكان صغير كان عمدة المدينة قد خصصه له لعرض الكتب و بيعها .
مات أبواه و هو فى سن صغيرة , و إنتقل إلى مدينة جرينوبل حيث كان أخوه الأكبر جاك جوزيف يعمل هناك باحثاً فى معهد البحوث الفرنسى فأصبح فى رعايته , قد بدأ جان فرانسوا و هو لا يزال فى الثالثة عشر من عمره فى الإهتمام باللغات العربية و الكلدانية و السريانية بعد أن كان قد درس اللاتينية و العبرية . و كان من العادات و التقاليد أن يحمل الإبن الأكبر فقط لقب العائلة , إلا أن شقيق شامبليون قد أعطاه إسم العائلة و هو فى سن السادسة عشرة لأنه كان على ثقة بأن أخيه الصغير سوف يعلو شأنه و سوف يصبح من المشاهير نظراً لعبقريته و نبوغه , و هو ما جعل إسم العائلة يتردد فى كل مكان , و لحسن حظه كان حاكم المقاطعة ليس سوى عالم الرياضيات جاك فورييه الذى طلب مقابلة هذا الصبى العجيب الذى يعرف الكثير بالرغم من صغر سنه , و قام بإطلاعه على أوراق بردى و على مقتطفات من اللغة الهيروغليفية المنقوشة فوق حجر رشيد .
بدأ فى سنة 1812 و هو فى الثانية و العشرين من عمره فى دراسة اللغة القبطية , و كان شقيقه الأكبر يتابعه خطوة بخطوة , و يقوم بتمويل مشترياته من الكتب , و كان من النادر أن يفترقا , كانا يفعلان سوياً كل شئ حتى التصرفات الخاطئة .
عندما كان شاملبيون فى التاسعة عشر من عمره قدم أول مذكرة إلى أكاديمية العلوم و الفنون فى جرينوبل و التى أشار فيها إلى أنه يجب على الحروف الهيروغليفية أن تصدر أصواتاً لكى يمكنها التعبير عن أسماء يونانية .
و فى الخامسة و العشرين من عمره أصدر كتابه "مصر فى عهد الفراعنة" و الذى أوضح فيه أن المصريين لم يكونوا دائماً يكتبون حروف العلة .
لم يتفق "شامبليون" فى أول الأمر مع فكرة "يونج" أن الهيروغليفية تجمع كلا من الأشكال الصورية و الصوتية . و إعتقد "شامبليون" أنها مجرد أشكال صورية أكثر منها أبجدية , إلا أنه عدل عن رأيه بعد ذلك.
فى أغسطس 1821 برهن شامبليون على وجود علاقة قرابة لغوية بين الخطوط المصرية الثلاثة (الهيروغليفى , و الهيراطيقى الكهنوتى , و الديموطيقى) , و أكد أمام أكاديمية الكتابات المنقوشة و الآداب القديمة أن هذه الخطوط تنتمى إلى منظومة واحدة , و لقد تم إشتقاق هذه الخطوط الثلاثة الواحد من الآخر فالخطوط الهيروغليفية أنتجت الخط الهيراطيقى الكهنوتى الذى هو مخطوط يدوى عادى , و الخطوط الهيراطيقية أنتجت الخط الديموطيقى الذى هو صورة تبسيطية لاحقة , و هكذا كانت مصر تمتلك ثلاثة خطوط للتعبير عن لغة واحدة . الأول خطاً مقدساً و الثانى خطاً عادياً مكتوباً باليد و الثالث و الأخير خطاً شعبياً يستخدمه المصريون فى حياتهم اليومية .
و مضى قداماً فى نشر هذه النظرية عام 1821 , و قد ساعده نقش من جزيرة فيلة يحتوى إسمى بطليموس و كليوباترة , و وجد فى كتاب قديم أن القيمة الصوتية للرموز المصرية تؤخذ من الحرف الأول لإسم الشئ , فأخذ فى التعرف على الرموز و كلما تعرف على رمز بحث عن إسمه باللغة القبطية , و بذلك أمكنه معرفة القيمة الصوتيه للرمز الهيروغليفى من الحرف الأول للكلمة القبطية , و بعد ذلك ساعدته النصوص الإغريقية , فأمكنه ملأ الفراغات بتخمين المعنى القبطى للكلمة الإغريقية بين الحروف التى تعرف عليها بالطريقة السابقة , و إستطاع بذلك قراءة رموز 79 إسماً ملكياً مختلفاً , عرف جميع حروفها و رتبها فى جدول حرفاً حرفاً , و بواسطة جميع الحروف الهجائية التى عرفها نجح فى معرفة عدد من الكلمات , و بدأ فى كتابة معجم خاص للغة المصرية القديمة .
فى يوم 14 سبتمبر 1822 أمسك شامبليون بأوراقه فى يده و أخذها معه تاركاً بيته فى شارع مازارين فى باريس و ذهب مسرعاً نحو أكاديمية الكتابات المنقوشة القريبة من البيت حيث يعمل شقيقه الأكبر جاك جوزيف , و دخل عليه المكتب صائحاً : "المسألة فى حوزتى !" ثم سقط مغشياً عليه .
و أخذ شامبليون يكتب ماتوصل إليه من نتائج و قام بإرسال هذه النتائج فى خطابه المشهور إلى "مسيو داسييه M.Dacier" أمين أكاديمية العلوم و الفنون فى 27 سبتمبر عام 1822 و الذى لم يكشف فيه شامبليون سوى عن جزء من إكتشافاته , حيث كان فى حاجة إلى إجراء مراجعة و إعادة فحص . و لم يصرح بمفتاح إكتشافه سوى بعد عامين و ذلك فى دراسته "موجز المنظومة الهيروغليفية عند قدماء المصريين" حيث قام بتوضيح هذه المنظومة بعبارة بليغة , قال فيها : "إنها منظومة مركبة , فكل نص و كل جملة تشتمل على كتابة منقوشة و رمزية و منطوقة فى آن واحد" .
قام الملك لويس الثامن عشر بمنح شامبليون صندوقاً من الذهب , ثم سافر شامبليون إلى الفاتيكان حيث إستقبله البابا ليون الثانى عشر بابا الفاتيكان و إقترح عليه تعيينه كاردينالاً , إذ كان يعتقد أن إكتشافه يعزز التسلسل التاريخى التوراتى الذى و ضعته الكنيسة , إلا أن شامبليون رفض بأدب رتبة كاردينال , و لكنه قبل الحصول على جوقة الشرف .
بعد ذلك سافر شامبليون إلى إيطاليا (من سنة 1824 - 1826) , و كان فى حاجة إلى أن يتحقق من صحة نتائجه , و لهذا ذهب أولاً إلى متحف تورين بإيطاليا الذى يمتلك مجموعة رائعة من الآثار المصرية , حيث ظل يفتش فى مجموعات الآثار المصرية , و ينسخ النصوص و يضيف كلمات جديدة إلى معجمه .
و بعد زيارته إلى تورين ذهب شامبليون إلى ليفورنو حيث توجد مجموعة تحف أخرى .
و فى سنة 1827 تم تعيينه أميناً عاماً للآثار المصرية بمتحف اللوفر فى باريس , الذى إفتتح فى نوفمبر 1827 بإسم متحف شارل الثامن . و فى أثناء ذلك تقدم لعضوية أكاديمية الكتابات المنقوشة و الآداب القديمة "Inscriptions & Bells Letters" سنة 1828 لكنه لم يقبل بها .
و لم يستطع شامبليون أن يحقق نجاحاً كبيراً , سوى لاحقاً عندما درس نظرية "يونج" بمرونة اكثر . و قام مستعينا باللغة القبطية بها فى تصحيح الأبجدية التى وضعها توماس يونج , و فى نهاية الأمر نجح فى ترجمة النص المنقوش على حجر رشيد بالكامل وقام بنشره عام 1828 .
فى سنة 1828 تم تشكيل بعثة فرنسية – توسكانية (توسكانيا هى منطقة فى شمال إيطاليا) بموافقة ملكى فرنسا و توسكانيا , و قد ضمت البعثة 12 عضواً بينهم شامبليون , متجهين إلى مصر .
وصلت البعثة إلى مصر فى يوم 18 أغسطس 1828 , و نزل شامبليون و أعضاء البعثة من السفينة إلى أرض الإسكندرية . و إستمر و جود شامبليون فى مصر من سنة 1828 إلى سنة 1830 .
لم تعرب لجنة الإستقبال فى الإسكندرية عن ترحيبها الحار بالزائرين حيث أبدى "دورفيتى" قنصل فرنسا ذهوله لحضور البعثة فى حين أنه كتب إلى باريس مبيناً تحفظاته الشديدة على مثل هذه الزيارة , فالوقت غير مناسب إطلاقاً للحضور و مقابلة الوالى "محمد على" و تقديم طلبات إليه بينما كانت السفن الحربية الفرنسية قد إشتركت أخيراً فى تحطيم الأسطول التركى - المصرى فى نافارين , و لكن خطاب "دورفيتى" وصل باريس متأخراً .
و على كل حالى فقد خضع دورفيتى , فقد هدد شامبليون بإبلاغ الصحافة الأوروبية إذا ما رفضوا منحه التراخيص اللازمة .
و إستقبل "محمد على" "شامبليون" الذى حصل منه على فرمان و على حراسة و تسهيلات متنوعة أخرى و أصبح من الممكن للبعثة أن تبدأ عملها .
و بعد وصوله إلى مصر بعشرة أيام كتب إلى شقيقة جاك جوزيف يقول : " إننى أتحمل حرارة الجو بأقصى ما أستطيع , يبدوا أننى قد ولدت فى هذه البلاد فالفرنج يرون أن سماتى تتشابه تماماً مع سمات رجل قبطى , إن لون شنبى الأسود الذى أصبح محترماً فعلاً يساهم كثيراً فى جعل وجهى شرقياً , فضلاً عن أننى إكتسبت عادات و أعراف البلاد فأشرب الكثير من القوة و أدخن النارجيلة ثلاث مرات يومياً "
دامت رحلة شامبليون فى مصر تسعة عشر شهراً إكتشف خلالها خمسين موقعاً , و قام بتدوين نتائج هذه الرحلة فى ست مجلدات كبيرة بعنوان "آثار مصر و النوبة" .
و كانت نتيجة هذه الرحلة مجموعة من المؤلفات الأخرى أيضاً منها : مخطوط "المذكرات التفسيرية" و "مذكرات عن مصر و النوبة" الذى سجل فيه مشاهداته عند زيارته للآثار الفرعونية وتعليقاته المستفيضه عنها , و كذلك قراءاته للأسماء و النصوص التاريخية خطوة بخطوة خلال إعادة إكتشاف لمصر القديمة .
و قد كتب إلى مسيو داسيه ظافراً : "يحق لى أن أبشرك بأنه لا يوجد ما يلزم تغييره فى "رسالة حول الحروف الأبجدية الهيروغليفية" التى وضعناها , إن هذه الأبجدية صالحة , و تنطبق بنجاح متساوٍ على الصروح المصرية فى زمن الرومان كما فى زمن البطالمة , و من المهم للغاية أن تنطبق أيضأ على الكتابات المنقوشة فى جميع معابد و قصور و مقابر العهود الفرعونية ."
وعند عودته من صعيد مصر قابل "شامبليون" الوالى "محمد على" الذى طلب منه كتابة مذكرة عن تاريخ الآثار القديمة , و كان من الطبيعى أن يستجيب "شامبليون" لهذا الطلب و لكنه إستغل الفرصة لكى يكتب مذكرة ثانية تلفت إنتباه "محمد على" إلى ما شاهده من تخريب وحشى للآثار فى جميع أنحاء مصر , و إقترح تنظيم الحفريات للمحافظة على هذا التراث من تعديات الجهل و الجشع الأحمق .
و كتب "شامبليون" خطاباً لأخيه "جاك جوزيف" يقول فيه : "لقد جمعت أعمالاً تكفينى العمر كله !"
و لما عاد شامبليون إلى فرنسا تم تعيينه أخيراً كعضواً فى أكاديمية " الكتابات المنقوشة و الآداب القديمة Inscriptions & Bells Letters" فى مايو سنة 1830 , ثم أستاذاً فى "الكوليج دى فرانسCollege de France" سنة 1831 , و لم يـُلق بها سوى بضع محاضرات فى الكرسى الذى أنشئ خصيصاً له , حيث سرعان ما إضطره المرض إلى التوقف عن إلقاء هذه المحاضرات , وتوفى شامبليون فى 4مارس 1832 و هو فى الثانية و الأربعين من عمره , و جرت مراسم الجنازة بسان - روش بحضور جمهور كبير كان يشترك فى كرنفال عيد المرفع (عيد مسيحى غربى) , و كان شامبليون قد طلب دفنه فى مقابر بير – لاشيز , و أقيمت بجوار قبره مسلة من الصلصال الرملى محاطة بسياج مشبك .
و لم يكن شامبليون قد تمكن من إتمام كتابه عن "النحو المصرى" و لا القاموس الذى كان يقوم بإعداده , إلا أن شقيقه الأكبر "جاك جوزيف" قد قام بإتمامهما و نشرهما .


تعليقات

المشاركات الشائعة